في وقت بدأ القلق والتشاؤم يتمدد في كبريات المدن العالمية، بعدما انهار أو أوشك النظام الصحي لديها على الانهيار، فبات جهاز التنفس مرتبطا بالحواجز العمرية، وبعيدا عن أي معايير أخلاقية أو حتى إنسانية أو صحية بمنح الأولوية للأكثر تأثرا والأخطر إصابة، وضعت السعودية اليوم خارطة جديدة للعالم بأسره، معلنة أن فقه منازلة الأمراض وتفشي الأوبئة، لديها يعمل بآلية واحدة لا مساس ولا التباس فيها، وهي أن العلاج للجميع، والإنسانية أغلى قيمة، وأن كل من وطئت أقدامه الأراضي السعودية سواء كان نظاميا، أو حتى مخالفا بشكل أو بآخر، سيعالج بالمجان، مثل الآخرين.
ولأنه لا يدرك خطورة المرض إلا المرضى أنفسهم، «فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء»، فإن فقه منازلة الأوبئة الذي تطبقه السعودية، ربما لا يدركه إلا من يعرف قيمته، ممن تخوفوا من الاقتراب من العلاج خشية العقاب على المخالفات التي ارتكبوها، أو من تهيبوا من مراجعة المستشفيات عطفا على غياب أو انتهاء أوراقهم الثبوتية، أو من يخشون مغالاة فاتورة الكشف والعلاج.
كان الأمر الملكي الصادر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، واضحا بتقديم الرعاية الصحية للكل بالمجان، لمخالفي أنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود سواء المصابين بكورونا أو المشتبه بإصابتهم في أي مستشفى سواء الحكومية أو الخاصة، وبلا اعتبار لمخالفاتهم.
بوضوح أيضا ترجمت تلك التوجيهات، كيف يمكن أن تتعامل السعودية مع أخطر وباء عالمي، فلا مجال للأنانية في التعامل مع المرضى أو المصابين، ولا استغلال لحوجة مريض مهما كانت مخالفاته أو عظم جرمه بانتهاكه أمن الحدود، ولا هامش في عدم المساواة في العلاج لكل المقيمين على أراضيها.
هي إنسانية واضحة المعالم، يقرأها كل من في قلبه حيادية، ويلمسها كل من اكتوى بأوجاع المرض وآهات الندم على المخالفة والمساءلة القانونية، ولا يفقهها من في قلبه ذرة مرض من أنانية أو حقد أو لا يزال في ضلال مبين أو جهل عقيم.